- دحمور زهير للدراسات الادبية
- 4:16 ص
- أخبار ثقافية ، ربورتاج
- لاتوجد تعليقات
أثارت
تصريحات كل من رشيد بوجدرة وأمين الزاوي، اللذان اعتبرا أن الروائي الكولومبي
غابرييل غارسيا ماركيز، لم يمارس عليهما أي تأثير أدبي، كثيرا من ردود الأفعال بين
المثقفين عبر وسائل التواصل الإجتماعي. فبينما اعتبر بوجدرة أن ألف ليلة
وليلة هي التي مارست عليه التأثير الفعال، اعتبر الزاوي أن الأدب
العربي القديم مليء بمؤلفات تفوق سحريتها سحرية ماركيز بكثير.
رصدت المحور اليومي آراء
بعض الكتاب الجزائريين، بخصوص علاقتهم بأعمال صاحب مائة عام من العزلة ،
لإبراز المكانة التي يحظى بها الروائي الكولومبي في المخيلة الروائية الجزائرية.
حميد عبد القادر: ما زلت مهووسا بعالم ماركيز الروائي
يختلف جيلي عن جيل رشيد بوجدرة وأمين
الزاوي بخصوص مدى تأثيرهما بالروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، فقد رفض
بوجدرة، والزاوي الإعتراف بأي تأثير يكون قد مارسه ماركيز عليهما، أما نحن من جيل
التسعينات الروائي، فقد قرأنا أعمال صاحب مائة عام من العزلة قراءة
وافية وتأثرنا بعوالمهأيما تأثير.شخصيا قرأت لـ غابرييل
غارسيا ماركيز لأول مرة في صيف 1986، ولم أخرج منه سالما، أذكر أنني حصلت على
رواية مائة عام من العزلة، كهدية من سائح فرنسي، مساء يوم من تلك الأيام الصيفية الهادئة، بمجرد أن مسكت الرواية أثار انتباهي غلافها
الغرائبي، فالصورة كانت تقدم صورة ببغاء على غصن شجرة داخل أدغال غابة استوائية،
وكانت صورة عجيبة دفعتني إلى الشروع في القراءة في نفس اليوم. كان الإكتشاف عجيبا،
لن أنساه طالما حييت، دخلت في عمق عالم سحري أخاذ، وأعترف أنه كان يوجد خيط سري
جعلني أنتقل من همنغواي إلى ماركيز بسهولة، فكلاهما مهووس بفكرة السفر، وهذه
الفكرة لم تحضرني حينها، اهتديت إليها منذ بضعة سنوات فقط. أبطال همنغواي يسافرون
من بلاد إلى أخرى، وعند ماركيز يسافر خوسي أركاديو بوينديا، وزوجته أورسولا،
ويغادران قريتهما الأصلية في رحلة بحث عن موطن جديد يسمى ماكوندو.الأسماء في رواية
ماركيز غريبة، والأماكن كذلك، وطريقة السرد والحكي مختلفتان والجمل طويلة
والشخصيات غريبة، بل وهمية وهي مزيج مثير للدهشة بين الإنسان والحيوان، والعالم
كأنه لم يتطور، وبقي حبيس نظرة أسطورية للأشياء. وإذا كانت أعمال همنغواي تمنح
فرصة السفر من بلاد إلى أخرى، فإن ماركيز منحني فرصة الإنتقال من الواقع إلى
الخيال. يا له من اكتشاف. قلت هذا أدب حقيقي.
الشخصيات في رواية مائة عام من العزلة
يصعب العثور عليها في الواقع وحتى الأحداث يصعب وقوعها. لا يوجد منطق في الرواية،
يخضع السرد لأهواء الكاتب، وتختفي الديكارتية الغربية (وهذا سبب عدم نجاح الرواية
لما صدرت ترجمتها الفرنسية في باريس)، وكأنها كتبت لأناس يعيشون فوضى العالم
والأشياء، أناس مستعدون لقبول ضجيج الذاكرة.تركت همنغواي جانبا، ودخلت مغامرة
أدبية جديدة، جعلتني اكتشف قارة بأكملها على مدى سنوات طويلة. وقادني ماركيز إلى
خوان رولفو، وأليخو كاربونتييه، وفارغاس يوسا.. إلخ. فتوالت القراءات وحتى
الترجمات، فقد ترجمت إلى العربية عدة قصص قصيرة لماركيز، وفي كل مرة كانت تصيبني
الدهشة، وما زلت إلى اليوم مهووسا بهذا العالم الغرائبي، الذي يجعل الأدب مرادفا
للسرد المنفتح على الخيال وعلى الأعمال التي تعطي الكلمة للموتى، كما نجده في
رواية بيدرو بارامو لخوان رولفو.
الدكتور حبيب مونسي: الترجمة قضت
على نكهة ماركيز
أعتقد أننا لم نقرأ ماركيز
بنكهته الخاصة التي فيها ذلك المزيج السحري بين عدد من الثقافات والديانات
والمعتقدات. فلم يكن ماركيز مسيحيا بالمعنى الذي تريده الكنيسة الكاثوليكية، فقد
كان فيه شيء من المسيحية الإسبانية المضمخة بكثير من عبق الاسلام والشرق، وفيه قسط
شيء كبير من مسيحية أخرى شابها الإعتقاد المحلي ولون طقوسها ومعتقداتها وعدد فيها
الآلهة والجن والملائكة ورفع بعض الرجال والنساء في سماء القداسة وحط آخرين في
حمأة الجحيم الأرضي والأبدي... كما لم تكن لغة ماركيز صافية كل
الصفاء، فهي لم تعد الإسبانية التي هاجرت من الأندلس، وإنما هي أخرى شابها كثير من
اللهجات المحلية التي ترتد بعيدا إلى عوالم الأنكا والأزتيك، وما حمله نهر
الآمازون في أوحاله وأدغاله. فهل أوصلت لنا الترجمة العربية أو الفرنسية شيئا من
ذلك؟ هل كانت العالمية من خلال الترجمة إضافة نوعية لأعمال ماركيز؟ أشك في ذلك شكا
كبيرا.. لأننا قرأناه أول ما قرأناه وكأننا نقرأ نصا عربيا صرفا، قد نتعثر في تهجي
بعض أسماء شخصياته وأسماء الأماكن والأكلات والعادات.. ولكننا كنا نقرأ وكأننا
نقرأ نصا كتب في لغتنا أصلا ففاتنا الخصوصية المحلية التي نتحدث عنها الآن. ولما
جئنا إلى الدراسات النقدية نستقصيها بعض الخبر، حدثتنا عن الواقعية السحرية وأخرجت
لنا مسخا يقع بين الواقعية النقدية والواقعية الإشتراكية، على أنه
تجربة تقع في الطرف الآخر من القارة الأمريكية.. وشغلتنا بالهاجس السياسي
الأيديولوجي عن الإلتفات إلى البهارت التي أتعبت مقاديرها
ماركيز وهو ينثرها في صنيعه الأدبي... فهل قرأنا حقا ماركيز ؟
محمد الأمين سعيدي: الجاذبية ليست عدوَّة الطيران في
عالم ماركيز
أن تقرأَ لـ غابرييل غارسيا ماركيز
معناهُ أنَّك تضعُ مرايا العقلانية التي ترى فيها نفسك وتفهم من خلالِها العالمَ
أمام عاصفةٍ رهيبة يقودُها خيالٌ جامحٌ يحملُ من الخرافة ما قد يحوِّلُ تلك
المرايا إلى حطام. هكذا قرأتُ ماركيز بعقْلٍ متوجِّسٍ في البداية، لكنني سرعانَ ما
دخلتُ إلى عالمه الذي له منطقُه الخاص، فأنْ تقرأه معناهُ أنَّك تتعوَّدُ على
تقبُّلِ القصص التي تشتعل بالغرابة واللامعقول، وأنَّك، في الآن نفسِه، تتعلَّمُ
كيف تنظر إلى أعماقِ ما يرويه لك، إلى دواخل شخصياته القصيَّة أيضا، لتدْرِكَ
القيَم الإنسانية التي يعبر عنها، تلك القيمُ التي يصعبُ استخْراجها من تلك
العوالم السحرية التي هي أشبه بحكاياتِ الجدَّاتِ. لكنَّ ماركيز يفعلُ، بل إنَّه
يصلُ من خلالِها إلى معرفة عالم الإنسان، وتحديدا، إلى القبض على أهمِّ ما يتبقى
منه رغم تغيُّر الظروفِ واختلاف الأزمنةِ.
علاقتي بماركيز تأسَّستْ من خلالِ قراءة
عدة أعمالٍ له، لكنَّها تعمَّقتْ كثيرا بقراءة روايته الأشهر مائة عامٍ من العزلة
، التي ترسم الحياةَ الخاصة بقرية ماكوندو منذ تأسيسها إلى غايةِ نهايتها
وقد تحوَّلتْ إلى زوبعة مخيفة من الغبار والأنقاض، يطوح بها غضبُ إعصار توراتيّ
(الرواية، ص499، ترجمة:صالح علماني). وتكمنُ أهميَّة هذا العملِ في تصويره
لتفاصيلِ حياةِ أناسٍ كانتْ بوابتهم على العالمِ مجموعةً من الغجر الذينَ يأتونَ
في كلِّ مرة يزورون فيها القرية بأشياء هي بالنسبة لسكان ماكوندو من العجائب
الخارقة(كحيرة خوسيه أركاديو بوينديا أمام الجليد). لكن الرواية تعبِّر عن مختلف
العواطف والحالاتِ الإنسانية حتى تلك التي تعتبر أكثر انحرافا، لذا تحكي عن الحب
والحرب، عن الميلاد والموت، عن السفرِ نحو الغامضِ، عن الحيرة التي تجعلُ العالمَ
غيرَ ما يبدو عليه في الظاهر.
تحفلُ مائة عام من العزلة
بالمفارقات، لكنَّها تعيدُ إنتاجَ كلِّ شيء على امتداد العقود التي عاشتْها
ماكوندو، حيثُ الإلتباس بين الأسماء، والتشابُه في الطبائع بين الآباء والأبناء
والأحفاد لدرجةٍ تجعلنا نستحضرُ مقولة لافوازيه عن الأرض: لا شيء يفنى ولا شيء
يستحدث بل يتحوَّل . هكذا كان كل جيل تنبعث فيه طبائع سابقه، حيثُ يربط الجميع
أصلٌ واحد وتوحِّده نهاية مشتركة، هكذا أيضا فكَّ أورليانو رموز ملكيادس، وفهم
كتابات الرقاق حيثُ: أوَّل السلالة مربوط إلى شجرةٍ وآخرهم يأكله النملُ .(ص498).
لونيس بن علي: ماركيز الذي قرأته
متأخرا
لا أتذكّر أنّي قد سمعتُ
باسم غابرييل غارسيا ماركيز في الجامعة، على الرغم من
وجود مادة آداب أجنبية تعنى بتاريخ الآداب الغربية
القديمة والحديثة، إلى أن جاءت السنة الرابعة، وشرعتُ في التحضير لمذكرة التخرّج
عن الجنس في رواية الإنكار لرشيد بوجدرة. فهذا الأخير هو الذي
عرّفني بهذا الروائي الكولومبي من خلال روايته ألف وعام من الحنين
، الرواية التي أخذتني أجواؤها السحرية والغرائبية، وقد اتفق أغلب الذين كتبوا عن
هذه الرواية بأنّ بوجدرة قد استلهمها من رواية كولومبية بعنوان
مشابه مائة عام من العزلة . كان علي أن أبحث عن هذه الرواية التي قيل عنها
الكثير وأنّ صاحبها قد تحصل على جائزة نوبل للآداب. بحثتُ عن الرواية في مكتبة
الجامعة فلم أجد لها أثرا، سألتُ عنها بعض الأساتذة بعضهم لم يسمع بهذا الكاتب
والبعض الآخر سمِع لكنه لم يقرأ الرواية وقلة من قال أنه قرأها ولم يعد يملكها.ظلت
حدود معرفتي بماركيز حبيسة مقالات صغيرة أقرأها هنا وهناك، لكن على شحّها كانت
تشيد بالرواية وتتحدث عنها بكثير من الإعجاب، وكان ذلك مغريا أكثر للبحث عنها
وقراءتها، إلى أن شاءت الأقدار وتقع الرواية بين يديّ لكن في نسختها الإلكترونية
ومترجمة إلى العربية، فشرعتُ مندفعا ومتحمسا إلى قراءتها. كانت مذهلة بحق، أجواؤها
جعلتني أتذوق المعنى الحقيقي للرواية باعتبارها حالة هذيان لا نهائي يجعل الروائي
قادرا على خلق عالم بأكمله، وشخصيات لم نألفها، وديكتاتور غريب الأطوار. علمني
ماركيز أنّ الرواية هي الفن الذي لا يمكن أن نضع له قوانين أو قواعد لأنّ المخيلة
الإنسانية لا يحدّها حدّ. ثمة صورة علقت في ذهني وأثارت انتباهي ورعبي في الرواية
وهي صورة الفتاة التي كانت تحمل حقيبة وقد وضعت في داخلها رفاة والدها. أين يمكن
أن تجد هذا المشهد؟ كيف يبلغ هوس الإنسان بالتجديد والبحث إلى هوس وجنون. كيف تسقط
الجدران بين الحقيقة العلمية والحقيقة الخيالية؟.
وكثيرا ما تساءلت: لماذا لم تتحوّل هذه
الرواية إلى فيلم سينمائي على غرار الحب في زمن الكوليرا أو على غرار رواية
زوربا مثلا؟ هو السؤال الذي طالما طرحته، وربما معتقدا أنّ الرواية قد
صُوّرت فعلا، وأنّي أنا من لم يشاهدها. جاءتني الإجابة من نص كتبه ماركيز بعنوان
(إحدى حماقات أنطوني كوين) يقول فيه: ومع ذلك، فإنّ تمنّعي في نقل (مئة عام
من العزلة )، أو أي كتاب آخر من كتبي المنشورة إلى السينما، غير مرتبط بشذوذات
المنتجين، وإنما لرغبتي في أن يكون تواصلي مع قرائي مباشرا، من خلال الحروف التي
أكتبها لهم، بحيث يتخيلون الشخصيات كما يشاؤون، وليس من خلال وجه ممثل مستعار على
الشاشة، وأنطوني كوين، رغم كل شيء (...) لم يكن بالنسبة لي ولا بالنسبة لقرائي هو
الكولونيل أورليانو بوينديا. وما عدا ذلك، فقد رأيت أفلاما جيدة كثيرة مأخوذة عن
روايات سيئة، لكنني لم أشاهد أبدا فيلما واحدا جيدا مأخوذا عن رواية جيدة.فكم
هو
كبير هذا الروائي الذي يحترم قارئه.
خالد خليفة: أدب غارسيا ماركيز
وليد ثقافة مجتمعه
ماركيز هو أولاً نقطة تحوّل جوهرية في
الرواية العالمية، كاتب حرّ أطلق جماح خياله وصنع عوالم غرائبية مثيرة من غير أن
تنفصل عن واقعه وعن ذاته وعن مخيلته المشبعة بحكايات بيئته وأساطيرها. تأثّر
ماركيز فكان أدبه وليد ثقافة مجتمعه والثقافة الإنسانية جمعاء. بنى عالمه الروائي
الخاص مستنداً إلى الموروث الثقافي اللاتيني، وقد عرف كيف يُعيد إنتاج هذه الذاكرة
الجماعية برؤية فنية جديدة. كان تأثير ماركيز كبيراً في كتّاب الأدب وقرّائه في
العالم. أعمال ماركيز وعّت الكتّاب على واقعهم وعلى أنّ الخيال لا ينفصل عن
الواقع، بل هو إعادة قراءة هذا الواقع. ساعدنا ككتّاب عرب في أن نتجاوز أنفسنا
ونقيم علاقة جديدة مع الواقع، المرجع الحيّ للرواية. وهذا التأثّر البالغ بأدب
ماركيز لا يعني التقليد، فمن قلّد ماركيز فشل. لكنّ التأثر بأدب الآخرين هو أمر
مشروع وضروري لكلّ كاتب لكي يصنع في النهاية عالمه الخاص. حلّق الروائي الراحل في
عوالم غرائبية واتكأ على الخيال ليُقدّم إلى قرائه رؤية جديدة إلى الواقع نفسه.
أعد
الملف: أحمد سعيد خوجة
عن المحور اليومي
الكاتب : دحمور زهير للدراسات الادبية
ترحب الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة بكل الأدباء والمبدعين والمثقفين والباحثين من كل أطياف المجتمع ويرحب المكتب الولائي للرابطة بولاية تيسمسيلت بكل رحابة صدر بكم نحن في الخدمة يسرنا التواصل معكم والمساعدة قدر المستطاع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق